Academic Dr.Prof. Salim Saad Researches-أبحاث

     Contact Us                                        Home Page   

 

-      1    كتاب  "آلة الكمان - ماضيها وحاضرها " ( 1987 ) 

-      2     بحث بعنوان " ألموسيقى  عقل وحضارة -  ماهيتها , تاريخها وغايتها " - مجلة " أوراق جامعية " شتاء  1999 

-      3     بحث " آلة  العود عندالعرب و سائر الشعوب الشرقية " صدر في مجلة أوراق جامعية -عدد حزيران 1998

-      4     بحث : " مدخل إلى علم و بحث و تشريح الصوت البشري " صدر في مجلة الحكمة - عدد كانون الأول 1998 .

-      5     بحث : " ألموسيقى ألأرمنية وجذورها  في الموسيقى  ألشرقية  " - أطروحة الدكتوراه إيلول 1986

-      6     بحث : "ألإحتكاك ألثقافي بين ألعرب و الأرمن في ألقرنين 19 و20 " - مجلة صبا الخير 1987

-      7     بحث : " من الصوت الغنائي إلى الصوت التعبيري " - مجلة " أوراق جامعية " العدد 21 ، السنة الثامنة عام 2000

-      8     بحث : " آلة الكمان The Violin ، إبن الربابة " - مجلة القافلة العدد 6 من المجلد 56 نوفمبر 2007

-      9     بحث : " آلة الكمان The Violin " - مجلة أوراق جامعية العدد 31 عام 2009 النصف الأول

-      10   نقد فني علمي بعنوان " نموذج جديد من الفلسفة و المونولوج السردي "عمل مسرحي بعنوان " حلم رجل مضحك "

              للكاتب الروسي فيودور دستويفسكي ( ألقرن التاسع عشر ) ، من إخراج الدكتور  طلال الدرجاني مجلة فكر العدد 103 نيسان

              2009

-     11    كتاب " الصوت البشري - آلة عبقرية " ( في العام 2000 ) 

-    12   عمل نقدي أدبي في شهر آب 2006 من 20 صفحة " عرض و تحليل و تقييم " لكتاب، صادر في العام 2005 في باريس 

               باللغة الفرنسية بعنوان " فينيقي من الزمن الحديث " للدكتور جوزيف بطرس حرب

-    13   محاضرة بموضوع " الموسيقى العلاجية "  Music Therapy  في كلية الصحة لجامعة البلمند بتاريخ 31 أيار 2007معطياً 

              نتائج علمية و تطبيقية جديدة

  قيد الإعداد :

-          بحث  بعنوان " ألموسيقى في لبنان بين التخصص و المهنة في مدار العولمة - تاريخ و واقع  " ( 2002 )

-          بحث بعنوان " حماية الإبداع الحضاري في مدار العولمة " ( 2003 )

-          بحث بعنوان " ألموسيقى و السياسة " بالمقارنة بين الغرب و الشرق

- جرى نقل علمي و اقتباس عنه من كتابه " الصوت البشري آلة عبقرية " الصادر في العام 2000 و المسجل في وزارة الإقتصاد لحماية الملكية الفكرية و الأدبية ، و ذلك النقل حصل في منشورات المعهد الوطني العالي للموسيقى ، في مقدمة لكتاب بعنوان " ألغناء الشرق – عربي " الصادر في العام 2005 من إعداد و تأليف لور عبس الحداد ، و قد جرى النقل من ص 5 حتى ص 45 من كتاب " ألصوت البشري آلة عبقرية " للدكتور سليم سعد و الناقل يدعى ألوليد غلمية بحسب توقيعه في نهاية المقدمة ، دون ذكر اي مرجع . و قد انكشف ذلك في ك1 2009 .

 

=====================================================

من أبحاث البروفسور الدكتور سليم سعد

نقد و تحليل لمسرحية " حلم رجل مضحك " من تأليف دستويفسكي

إعداد و إخراج الدكتور طلال درجاني

بقلم البرفسور الدكتور سليم سعد ، رتبة أستاذ في ملاك الجامعة اللبنانية أيار 2008

نشر البحث في مجلة " فكر " العدد 103 نيسان  2009

 

مقدمة

            الكلام في المسرح غير مستحب لأن المسرح أقوى من الكلام ، و إذا وجب الكلام فهو بالدعوة لحضور المسرح ثم في مديح بعضه أو إبداء الرأي الشخصي في مدى التأثير لهذا أو ذاك من العروض في الذات الفردية . و لكن تفاوت المفاهيم و اختلاف الهوايات و تنوع الإختصاصات تفرض التوسع في الكلام المسؤول فقط ، حيث لا قيمة للكلام غير المسؤول على الإطلاق . و إذا كنت قد جزت لنفسي أن أكتب في المسرح و عنه ، فذلك يعود لمسؤوليتي عن كل ما أسمع و ما أرى فيما يتركه من أثر في ذاتي من ناحية ، و موقعي الفني والعلمي و الأكاديمي من ناحية ثانية . و المفارقة المهمة هي أني من أبناء العلم و الفن ولكن باختصاص معمق في الفن الموسيقي أداءاً وتنظيرا ، مما يجعل كتابتي عن فن المسرح مميزة بطابع خاص حيث تندمج الفنون من ناحية ، و يتميز موقع الإطلالة من الموسيقى على المسرح من ناحية أخرى .

            لا غرابة في المألوف الذي يبدو في إطار غرابة تباعد أو تمايز الموسيقى عن المسرح ، حتى ولو خضع الإثنان لملكة واحدة في التوق إلى التعبير الحر و الصادق ، بفارق التخصص و إشغال الزمن – الوقت . و بالرغم من ذلك فقد تكون كتابة موسيقي عن المسرح شيقة أكثر من كتابة مسرحي عنه ، حيث يكون الموسيقي متشوقاً للكتابة عن فن لا يحترفه ، و حيث يكون المسرحي هادىءً من فن يسري في دمه ، بالتمام كما لو كان العكس إذا ما دب الحماس في مسرحي ليكتب عن الموسيقى .

           و قد جاء في كلمة اليوم العالمي للمسرح للعام 2008، للمسرحي  روبرت لوباج ما يشدد على جرأة إدخال التكنولوجيا إلى المسرح لجذب الجمهور الذي بات في حل من التزامه بالمسرح ، و ذلك بهدف إنقاذ المسرح من انحساره و خروجه من دائرة الطلب الكبير من الناس . هذا صحيح كعلاج للحالة من ناحية إثباتها ، إلا أنه لا يشتمل على تطور المسرح كمسرح، حيث لا يبدو فناً من أنواع فنون اللهو و الإستمتاع الحسي ، دون المتعة الفكرية و الروحية . علينا أن ننظر إلى هذه الإشكالية من نافذة مسرحية " حلم رجل مضحك " للدكتور طلال درجاني ، حيث لا تسعى إلى جذب الناس المحبين للهو ، و بالرغم من ذلك فقد جذبتهم و استرعت الجانب الأكبر من انتباه المحترفين و الهواة و الجمهور على حد سواء .

            هذا و لا بد من السعي لتصنيف هذا العمل المسرحي للمخرج طلال درجاني على أسس يفهمها الكل من أهل المسرح و من غير أهله مثل الجمهور الواسع . و في هذا المضمار لا بد من تناول هذا العمل من النواحي التالية :

1 – ألموضوع في دراماتيكيته القوية

2 – ألأداء التمثيلي المحترف

3 – إلتقاء الفن و العلم و الفلسفة

4 – سينوغرافيا المسرح و فعلها الفكري

5 – إشغال الزمن و ملؤه

6 – ألحكواتي الفيلسوف و الممثل

7 – فن المسموع و ألموسيقى

 

ألموضوع في دراماتيكيته القوية

            لكل عمل مسرحي خصوصية الإعداد و الأداء و التعبير ، إلا أن صفة الدراما لا تنفصل عن أي عمل مسرحي ، و الدراما هي تسمية لحالة نفسية إنسانية أو لأي شكل من أشكال المقارنة بين حالة نفسية وأخرى في ذات الإنسان ، حيث لا يجوز أن نطلق صفة الدراما على حالة بين إنسانين أو على حالتين خارج الإنسان الواحد إلا بالمعني التشبيهي ، المقارن ، الرمزي أو المجازي لهذه الصفة . ألدراما تشبه ال "نعم " و ال " لا " ولا تقبل المساومة أو التقريب ، أو المقارنة بينهما كونهما النقيضين الواضحين . أما التداول الحاصل بالدراما اليوم يبدو غير محسوم لناحية حقيقتها ، و قد أدى إلى ضياع كبير لدى كثير من الفنانين و محبي المسرح بين التنويع في الحالات النفسية من ناحية ، و حالة النقيضين الواضحين في الذات الإنسانية أي للفرد البشري . فالدراما بمعناها الحرفي لا تعني البكاء و الضحك بل الإحساس الداخلي الذي يحدثهما لدى الفرد البشري ، فإذا ضحك إنسان و بكى آخر بقربه لا تحصل الدراما بحقيقتها الجلية ، أما إذا بكى إنسان وضحك هو ذاته في لحظة واحدة ، فهذه هي الدراما بحد ذاتها .

            تحديد الدراما واضح في أساس نشوء المسرح ، و قد أصبح المسرح يتكنى بتسمية " دراما " منذ بزوغه حتى يومنا هذا ، و ينحصر معنى الدراما في سبب الأداء لحالات لا يحتمل صاحبها تكرارها ، نظراً لمرارتها و ندرتها ، حيث يلتقى الحزن بالفرح ، وتلتقي المصائب بالإنتصارات ، و تلتقي القوة بالسلام ، ويلتقي الصخب بالهدوء ، وتلتقي الحركة بالجمود، و يلتقي الإغتباط بالإحباط ، و ذلك في الخوالج النفسية لإنسان واحد و في لحظة واحدة و في مكان واحد.

            دستويفسكي كاتب قصصي ، فلسفي و ربما درامي ، لا يقصد بكتابته المسرح ، بل الإنسان الذي بدا هدفاً للمسرح و أهله . و الكاتب الدرامي لا يعني أنه كاتب مسرحي ، بل إنه فعلة جذب للمسرح وفنونه القادرة على ربط ما لا تربطه الحقيقة ، و الذي يعبر عن السنين بلحظات و عن المساحات الشاسعة بخشبة محدودة بأمتار عرضها و طولها . و هكذا ، و بالإختصار المفيد أصبح المسرح مدموغاً بتسمية " دراما " ، لأنه ببساطة حذف كل البساطة من تاريخ الأحداث و أبقى على زبدها المثير ، ألا و هو الأبعاد القصوى بين المشاعر لدى إنسان واحد أو إثنين من أبطال هذه أو تلك من المسرحيات .

            في العمل المسرحي " حلم رجل مضحك " ارتكز د. طلال درجاني على دستويفسكي بمبدأ الشرب من المنهل و ليس من الساقية . أبصر عمل دستويفسكي هذا ، نوراً خاصاً بتفعيله على المسرح و لم يكن يوماً من نتاج المسرح ، بل إنه بقي منهلاً لأهل المسرح الذين يجيدون تلخيص الزمن لعرضه متعةً فكرية و عقلية و فنية للجمهور . و كأن الإثنين معاً ، ألقصة و مسرحتها ، تلاقيا بانسجام على غير موعدٍ وعلى حقيقة التلازم بين القصة الموسعة بأزمانها و المسرح الذي يجعلها فعلاً مجازياً مختصراً و ممتعاً . لولا المسرح لبقي دستويفسكي فيلسوفاً و مصلحاً إجتماعياً تتناوله مناهج الأدب و التربية و فن القصص ، وهنا نفذ من حقل راقٍ إلى حقل راقٍ أيضاً و أوسع من الأول . كم من أديبٍ يرى جديداً في مسرحة الأعمال الأدبية و القصص ، و كم من البشر يدركون بلاغة العظات عند دستويفسكي و غيره من الكتَّاب ، دون أن يقرأوها ، بالمسرح فقط . و كم من الناس ، إذا قرأوا الفلسفة والأدب و الحكايات ، يبقون دون المعنى الذي يكتسبونه في لحظات حضور مسرحة ما قرأوه .

            ألقصة مثالية ، لكنها بمسرحتها تصبح فعلاً سلوكياً ينتقل من الممثل إلى معظم المشاهدين ، وبالتالي  تجد القصة منهجها إلى حياة الإنسان الذاتية و الإجتماعية ، و هنا تكمن قدرات الجسور التي يعبرها الناس من القصة إلى المسرح . و الجسور هذه هي من صنع فنانين متخصصين ، متعلمين و مثقفين يدعون مخرجين . فبقدر ما تجد القصة تجسيداً إحساسياً و وضوحاً على المسرح بقدر ما يكون جسر العبور بين الفنين ، ألقصة و المسرح ، متيناً و ضامناً لإستفادة المشاهد مرتين ، مرة من القصة و مرة أخرى من المسرح ، وبالتالي يكتسب المشاهد أدباً و ثقافةً و قراراً في تحقيق الفضائل المكتسبة ، في حياته الشخصية .

             ألمخرج طلال درجاني أصولي الثقافة و متين التخصص في نقل المفاهيم العالية و القيم الإنسانية، من القصة إلى المسرح . فقد أجاد في هذا المجال جاذباً الجمهور دون إي إنقاص من جدية المسرح ، حيث نشهد اليوم تنازلات في الأصول الإخراجية لدى البعض تخفيفاً على الناس بقصد ترغيبهم بحضور المسرحيات . و هذا الموقف الواثق للدكتور درجاني جعلني أعيد التأكيد على أن الرخيص بائد والثمين آبد .  

ألأداء التمثيلي المحترف

            بدت ألمسرحية ميدان احتراف تمثيلي تجسد بفعل التعبير الكامل للممثلين على اختلاف أدوارهم من ناحية ، و بفعل الإخراج التمثيلي و مبدأ تحريك الممثل من ناحية ثانية . كما بدا من الصعب فصل الناحيتين عن بعضهما البعض إذ تمازج التمثيل بالإخراج دون حدود ، حتى بلغ ذروة التفعيل المسرحي الدرامي بمعناه الحقيقي و التاريخي على طرائق معالجة إشكاليات التعبير الصادق و المؤثر ، بتقريبه قدر الإمكان إلى الواقع و الحقيقة ، دون المس بالإلتزام الكامل بالأدب القصصي للكاتب دستويفسكي ، ما يدفعنا أكثر إلى تحليل ما حصل في هذا العمل الكبير .

             لا شيء كامل بل إن العظمة تكمن في السعي إلى التكامل و التوصل إلى القفلة المسرحية الإحترافية في العمل الإخراجي ، إذ أن العمل المسرحي هو إشكالية دائمة يتبارى بها أرباب المسرح فيما بينهم و يتسابقون لتسجيل فعل جديد باتجاه التكامل . فالإخراج ينحصر في شخص واحد أما التمثيل فبعدة أشخاص ، و يبدو بذلك الأول أقرب إلى الثوابت أما الثاني فمليء بالمتغيرات ، حيث يضع الممثل ذاته بتصرف المخرج منفصلاً عن ذاته الأدائية ليتصل بذاتية الإخير الذي بدوره يربط فعله بفعل الكاتب .

            ظهر الممثلون بمظهر السبيكة الواحدة التي صنعها المخرج على أساس الكاتب ، فكان انفصال الممثلين عن ذواتهم ممراً لاستعادة الذات المطلوبة لنقل دستويفسكي على حقيقته ، مما جعلنا نفهم الكاتب أكثر بكثير مما لو قرأناه . و هنا يظهر سر التزام المخرج بالنص متحكماً بالتظهير الراقي للحقيقة ، معتمداً على قدرات التمثيل العالية لدى الممثلين . و هذا لا يتم إلا باحتراف عال للفن التمثيلي من قبل هؤلاء الذين عرفوا كيف يتحكمون بذواتهم ، كممثلين ، فيفصلونها عنهم تارة و يستعيدونها بما أراده دستويفسكي ، تارة أخرى . و هنا لا بد من كشف حقيقة عملهم المحترف الذي يختزونه في قدرتين أساسيتين :

1 – الإحتراف التمثيلي العالي

2 – ألعمل التمريني الدؤوب

            ففي الإحتراف التمثيلي العالي ، حين يختصر الممثل القدير حسام الصباح و شريكاه ، ألممثل كميل يوسف و الممثلة الراقصة ساندرا ملحم ، أزمنة و أمكنة دستويفسكي ليقدموها تمثيلاً باهراً لا يحتسبون فيه الكم الزمني ، بل المقام الأدائي النوعي ، و استعاضت ساندرا ملحم عن الصوت بالتعبير الجسدي المعبر . حيث بدوا لنا على مسرح نحن فيه مشاهدون ، أما زمان الأحداث ، فنحن لسنا منه بشيء من القرب ، جاعلين إيانا جزءاً من حياة الرجل المضحك الذي وصفه دستويفسكي بدقة بالغة .

            أما في العمل التمريني الدؤوب ، حين يقوم الممثلون بأعمال إعدادية لذواتهم على مدى زمني يضيق في الوقت دون احتساب مصاعب التقاط الذات يومياً ، لمدة لا تقل عن  الزمن الضروري لكينونة الاندماج التام للممثلين بمكان – أي مسرح - و بزمان بعيد قربوه لنا و كأنه زماننا ، أو كأننا لسنا من هذا الزمان بل منه هو ذاك الزمان الغابر ، إذ أن الإحتراف التمثيلي يمثل الموهبة الممتزجة بالعلم والتمرس ، والتمرين الدؤوب يمثل قدرة هؤلاء الممثلين على إخضاع الزمن لحركتهم و ليس العكس . و هنا نؤكد أن ما قام به هؤلاء الممثلون هو تفعيل العلم و الموهبة و التمرس بزمن لا يأبهون بطوله أو امتداده ، و هذه هي مقومات الأعمال الجبارة في ميادين الفن الأدائي ، و هي واحدة عند الكبار ، من محترفي و صانعي الفن الدرامي  بذواتهم الشخصية . هذا  ما ندرجه على مقياس عناصر الفن الثلاثة :

1 – ألموهبة

2 – ألعلم و الأداء

3 – إخضاع الزمن للتمرس

            و أي إخلال بهذه المعادلة يجعل العمل الأدائي ناقصاً و غير جدير بالتظهير أو العرض ، و حيث أن المعادلة هذه لاقت تفعيلاً من الممثلين حسام الصباح ، كميل يوسف و ساندرا ملحم ، وصل العمل هذا إلى مصاف الأعمال العالمية بفارق زيادة التمرس و الإعداد بإخضاع الزمن في تكراره ، و رفعه يوماً بعد يوم ، من احترافي إلى احترافي آخر على قاعدة أن الأداء لا يكرر ذاته ، بل يتزايد بالعمل والتمرس ، وهذا في النوع و ليس في الكم للعمل المسرحي الواحد . و هنا في تكرار العرض المسرحي هذا ، تحصل عملية التشذيب والتهذيب باتجاه التكامل الذي لا يصله أحد ، و هو الحافز الأساسي الأوحد للأعمال الفنية الخالدة ، و به يتوق الكل إلى علياء التعبير المسرحي التمثيلي الكبير .

إلتقاء الفن و العلم و الفلسفة

            في الكلام عن الفن لا مجال للتكلم في الفلسفة و العلم ، لأن الفن حالة قائمة بذاتها ، إلا أنه يلتقي بالعلم عبر تحليله أو عبر صناعته بالإرادة الإنسانية الخلاقة . ذلك أن التناقض في المصدرية و المسار بين الفن والعلم ، يجعلهما نظيرين متوازنين في مكانين متقابلين في دواخل الإنسان الروحية و الفكرية والعاطفية. فالإحساس هو مصدر الفن ، أما الفكر هو مصدر العلم ، و حين يتقابلان في خوالج الإنسان يجريان إثبات وجود ، كل منهما أمام الآخر ، فتبرز حتمية الإبداع الإنساني الصرف الذي يرتكز على ظاهرية الفن و على واقعية العلم . أما الفلسفة هي الحلول التي يتوهمها الإنسان واضعاً إياها في اختبار التنفيذ لتصبح علماً و بالتالي فناً أدائياً ، كما أن الفلسفة هي الصلة الوحيدة بين العلم و الفن عند البزوغ وفي المصدرية الداخلية للإنسان .

            يبدع الإنسان بالفطرة فناً ، أما بالعقل ، علماً ، و بالفلسفة عقيدة وهمية تبقى خزاناً لإبتداع ما لم يأت بالفن أو بالعلم . و بالتالي فإن الفن حقيقة في الأحساس ، أما العلم ، هو حقيقة في نتاج الفكر ، والفلسفة هي إشارة الميزان بينهما ، تتأرجح بين الواقعية و الشك و تريح الإنسان بما يشبه الحقيقة التي هي في الفن و العلم على حد سواء . و على هذا الأساس يمكن تحديد الإلتقاء بين هذه العناصر الثلاثة في العمل المسرحي "حلم رجل مضحك " على الشكل التالي :

1 – ألفن في توق بطل المسرحية إلى أداء الإنتحار بهدف الخلاص مما يتخبط به

2 – ألعلم في تجسيد القصة على المسرح و إخراجها

3 – ألفلسفة في التردد و الشك فيما يقوم به البطل أحياناً و يتراجع عنه أحياناً أخرى

            لا تلتقي هذه العوامل الثلاثة إلا في المسرح العملاق ، حيث يكون الكاتب مثل دستويفسكي ، وحيث يكون الممثلون مثل حسام الصباح و كميل يوسف و ساندرا ملحم ، و حيث يكون المخرج مثل الدكتور طلال درجاني . فالقول بالكاتب عيب لأنه مستحيل ، والقول في الممثلين المتمرنين بالعلم و الأداء أيضاً من غير الممكن ، و القول في المخرج يضعف القائل لأن العمل معه استوفى أعلى شروط العرض للفن والعلم و الفلسفة . و لم يقف المخرج عند حدود الملهاة ، ألحدود التي أصبح الوقوف عندها ، في أيامنا، أسهل من السهل ، بل إنه تعداها إلى ميادين القمم العالية حيث لا يتبارى فيها إلا من قتله العمل أكثر من مرة ونهض من كبوته مراراً ليتبارى بالعروض الثقيلة دون إبطال فعل اللهو ، محافظاً على الجدية و الفكر والعلم و الفلسفة ، و معطياً الفن الأثقل في المعايير العالمية ، حتى و لو ترك للعروض المتكررة حقها في رفع مستوى التنفيذ و الأداء و الإخراج .

             فهذه العناصر الثلاثة وحدها كفيلة ، متى اجتمعت ، بشد الإنسان إلى الأعلى ، فكم بالحري حين لاقت طلال درجاني يعمل من أجلها عبر فن المسرح معتمداً على ممثلين لا يعتدون بذواتهم إلا بالعمل الدؤوب و بشعور الخوف من السقوط ، مما جعل النجومية ملقاة عليهم في عمل خافوه فقاموا بإعطائه حقه في الوجود المسرحي الكامل .                       

سينوغرافيا المسرح و فعلها الفكري

            ترتبط سينوغرافيا المسرحية بالبعد الفلسفي للقصة و تمثل الكون بالرمزية ، إذ أنها تدل على  حركتين أساسيتين في الوجود الإنساني و هما : ألحركة الكروية لرمزية الكرة الأرضية ، و الحركة المتناقضة بين الصعود و السقوط . هذا بالإضافة إلى الإشتمال على حركة الأبعاد الأفقية بين الشرق والغرب و الشمال و الجنوب ، أي الحركة الدائرية الأفقية .

            لم يكن ألتشكيل السينوغرافي معقداً ، بل إنه اختصر الحركات المعقدة ببساطة و دل على صعوبة بالغة في التحقيق و التنفيذ للشكل و الحركة و مضمون التجهيزات . و هنا أيضاً تجدر الإشارة إلى شمولية وعمق الربط بين العناصر الثلاثة : ألفن و العلم والفلسفة بهكذا سينوغرافيا ميكانيكية ، تختصر الكون فلسفياً و تبسطه للمشاهد ، حتى تصل به إلى الشكل الخارجي البسيط الذي يرمز إلى شساعة الكون وكروية التفكير البشري ، ألذي يفرح و يحزن لأسباب واحدة و ثابتة . كما أنها عبرت عن نظرية تعليل السبب مهما كانت الأسباب ، حيث راح البشر بالوراثة منذ القدم ، بتبرير الفرح بنفس معايير تبرير الحزن ، و تؤكد أن الإنسان قد يقنع ذاته بضرورة الإنتحار ، أو بضرورة البقاء في الحياة ، لنفس الأسباب و بنفس المعايير ، وهذا يركن في نظرية التفكير الكروي ، حيث يبرر الإنسان نجاحه ليفرح ويبرر فشله ليفرح أيضاً .

            بهذه الشمولية الكبيرة ظهرت الوحدة السينوغرافية لهذه المسرحية ، حيث أنها صنعت بتصميم واحد و بطريقة ميكانيكية واحدة و هي تدل و ترمز إلى أشياء كثيرة أهمها : ألإنسان  ، ألكون ، ألشعور ، ألموقف ، و تتمتع بمرونة الحركة ، و كأنها الأرض بحركتيها وهي تدور حول الشمس ، و تدور حول ذاتها. دعنا نترك الشرح جانباً فنقول أن السينوغرافيا التقليدية معدومة أمام هذه السينوغرافيا المميزة التي أعطت العمل المسرحي هذا أبعاداً تدعم القصة بمقابل دعم القصة لمعالجة الإنسان برمته عبر الكاتب دستويفسكي والمخرج طلال درجاني . و لولا هذا الشكل السينوغرافي لوقع العمل في خانة المحدودية التي لا علاقة لها بالخلق و الإبداع ، حيث أن الله منح الإنسان الفكر الكروي ليبقى و يستمر و إلا لكانت الإنسانية صحراء قاحلة منذ بزغت أو قبل أن تكمل كينونتها.

إشغال الزمن و ملؤه

            نشأ الإنسان في زمان و مكان ، فخلقه الله على الأرض ، و في بدء التكوين ، و أعطاه الزمن ليعمل به منتقلاً من الأرض إلى الآخرة . فالزمن هو الوزنة الأولى المتحركة التي مَنَّ بها الله على الإنسان، إذ أن الأرض هي من ثوابته أما الزمن فمن المتغيرات لديه . و التزم الإنسان بالزمن ليتصرف به ، أو خلاله ، فوجد أن الزمن قاتل له فواجهه بالمثل فقتله بملئه و إشغاله ، و أثبتت أحداث التاريخ أن الإنسان هو قاتل أو مقتول في صراعه مع الزمن . فكانت الحسابات الزمنية ليعرف الإنسان كم من الزمن استهلك في حياته ، أو كم من النتاج أحرز عبر هذا الزمن ، و كان الحساب يؤكد دائماً أن الزمن ثمين و لا يشترى إلا بالإنشغال به ، وليس باللهو به فقط ، بل بضرورة الإنشغال والتمتع بالزمن و باللهو عبره .

            أثبتت مسيرة الزمن أنها توقف الإنسان أمام الحساب بعد أن يمضي الزمن و ليس قبله . فكان التاريخ و كانت التوثيقات لتدل على ميزانية الإنسانية بين الإنشغال و اللامبلاة ، و الحصيلة هي في شعور الإنسان بالملل حين يفرغ من إشغال الزمن . و هنا نواة الموضوع بأن الإنسان لا قيمة له عندما يشعر بمرور الزمن ، و هو الكبير بإحساسه حين ينسى الزمن و يقوم بأدائه الحياتي بشتى أشكاله و أنواعه ، فيمر الزمن عليه دون أن يشعر بمروره .

            و هذا ما صنعه المخرج لأجل المشاهد ، جاعلاً أياه ناسياً للزمن ، مشدوداً مع تعددية و توازي الحركة على الخشبة على اختلاف أنواعها في آن . فكنت تتابع حسام الصباح فتشدك حركة كميل يوسف البطيئة أو انسياب ساندرا ملحم بذات الإيقاع  المستمر ببطئه حتى شبه الإنعدام . هذا في المرئي و هناك ما شابهه في المسموع من الموسيقى لمؤثرات المرافقة ، أو من أصوات الممثلين ، بكلام أو بدون كلام ، لتفهمك كثافة المحتوى الذي أراد المخرج أن يظهره من الكاتب .

            لعل الموسيقى ، لا بل من المؤكد ، أنها الفن المميز في استخدامها و احتسابها للزمن . و ذلك هو في عمق اختصاصنا ، حيث تكتب النوتة بعلامات الصوت اللحني المسموع ، و بعلامات الصمت الساكنة المرافقة لها ، حيث يتساوى المسموع مع الصامت في احتساب الزمن . و إذا ما حصل خلل في احتساب الزمن تنكسر الأوزان الإيقاعية التي تسير مع الزمن بدقة كاملة و متناهية ، لذلك فإن الفراغ الصامت هو من المحتسب و المعدود على حد سواء مثل الملء المسموع ، و إذا اختل العدل و التساوي بينهما سقطت الموسيقى ونفرت منها الأسماع .

             على قاعدة الموسيقى في احتساب الزمن بدت مسرحية " حلم رجل مضحك " ملتزمة بالتمام والكمال بالزمن و احتسابه ، حتى جرت أحداثها في ذات الوقت حين يتغير شكل و موقع السينوغرافيا السالفة الذكر ، و لذلك أمكن إجراء العرض مرة واحدة ، في زمن واحد و عبر سينوغرافيا واحدة ، و دون أي انقطاع تفرضه المتغيرات في المسرحية . بهذا استطاع المخرج أن يصل إلى قمة نسيان الزمن قاتلاً إياه بملئه حتى الجمام ، قاطعاً أنفاسه و منتصراً عليه دون هوادة . و بانتصاره هذا ، حقق المخرج عدمية الملل للمشاهد المثقف الذي يقدر الزمن خير تقدير ، كما أنه قدم للمشاهد من ذوي الإحتراف الأدائي عملاً يشده وينسيه الزمن لإنشغاله كلياً بأحداث القصة من ناحية ، و فن الأداء الشامل للممثلين و السينوغرافيا وللخشبة برمتها ، من ناحية ثانية .

            و نخلص إلى التأكيد بأن طلال درجاني ملأ الزمن و ربح معركته ضد صعوبات التنفيذ للقصة الكثيفة بالفكر و الفن و الفلسفة و العلم ، و فعَّلَ وزنته بحفظ الزمن من الإنفلات و حقق وفاق الحساب بين الوقت و الأحداث التي تملأه ، سواء في أداء العمل المسرحي أم في دعم العمل عبر تغيير الديكور وتحريك السينوغرافيا ، دون اللجوء إلى الوقوف بمعنى الإستراحة ليقوم بتغيير ما وجب تغييره بحجة واهية استنفدها المخرجون التقليديون و غيرهم ، من المخرجين الذين يرتكزون على وسطية أو أواخرية الأمور دون أولوياتها . فقام الممثلون بالتمثيل القدير و بمهام خدمة التحريك المسرحي للسينوغرافيا في آن ، و بكل ما تطلبتها ضرورات التنفيذ المسرحي الراقي و المبدع . و يعتبر هذا العمل من الأعمال العصرية التي تتطلب مشاهداً قديراً لا يغفل عن معاصرة الحياة بأرقى معانيها ، سواء من ناحية الأعمال أم من ناحية تثقيف الذات و القدرة على فهم معطيات العصر الحديث .     

            إمتلأ الزمن بمعطيات العرض المفعمة بالحيوية الفكرية و الروحية و الخالية من مظاهر الإنفعال البسيطة و الفاقعة ، حيث تلقى الفكر كل فظاظة التوتر الغريزي ، فكان الغضب قريباً من الفرح بالشكل وبعيداً عنه بالتعبير العقلي التمثيلي الراقي الذي فرضته القصة . كما امتلأ الزمن بالضوء و الظلمة ، بالصوت وبالصمت ، بالموسيقى و التأمل و بكل مقومات الدراما الأصيلة .            

ألحكواتي الفيلسوف و الممثل

            شاء المخرج أم أبى ، فإن للعمل هذا جانب سردي معبر تمثل باستخراج الشخصية الرئيسية من دستويفسكي لتضفي على القصة فعلاً روائياً مونولوجياً بمرافقة التمثيل . و قد رافق تمثيل حسام الصباح سرده للقصة من ناحية ، و تمثيل كميل يوسف و ساندرا ملحم من ناحية ثانية ، فانسابت أحداث الموضوع إنسياب المياه في الأنهر و السواقي السهلة و القليلة الإنحدار ، فذهبت بالمشاهد إلى قلب الدراما بسهولة تامة بالرغم من التعقيد الفلسفي للموضوع ، حتى غدونا نؤكد أن قراءة القصة بدت صعبة أما تمثيلها فبدا سهلاً بالرغم من الفارق الكبير بين سهولة القراءة و صعوبة التنفيذ المسرحي الدرامي .

            لولا المحورية الفلسفية للسرد لكانت المسرحية مألوفة و من أشباه الفن الحكواتي المعروف والمبتذل ، إذ أضفت الفلسفة على المونولوج السردي نموذجاً جديداً يستحق تسمية التجريبي الصعب . وبهذا المنحى الفلسفي الصعب أصاب حسام الصباح عصفورين بحجر واحد ، فقام بإفهام المشاهد على مدى العمل بتفاصيل المغزى الأساسي للقصة من جهة ، و اختبر فناً تجريبياً غير مألوف من جهة أخرى .

            ألكلام من مزايا الفيلسوف لشرح نظرياته و ليس لسرد قصة مليئة بمقومات التمثيل و التعبير الصوتي و الفكري في آن ، فبدا الفيلسوف متكلماً و ليس حكواتياً يهوى اللهو و إلهاء السامعين . ألحكواتي يشد الإنتباه المتعوي أما الفيلسوف الممثل فيشد الفكر و التأمل الروحي ، لذلك تميزت المسرحية بالرقي وبالنخبوية للمشاهدين ، حيث تجد الفنون التجريبية ذاتها في أهل الفكر من محبي الفن ، و بشكل خاص هواة الفن المسرحي .

            بالرغم من الإحتراف التمثيلي العالي للتمثيل و الرؤية الإخراجية العالية و الفاعلة في هذا العمل لاقت الفلسفة القصصية مكاناً لائقاً في الفن التمثيلي ، كما في الصوت الإلقائي الذي كان و ما زال أساس التعبير المسرحي ، كذلك في التمثيل و الأداء ، مما يجعل المسرحية قادرة على الوصول إلى أعماق المشاهد عبر الصوت منفرداً وعبر المشهدية بالصوت أيضاً ، و هذا ما يجعل العمل متكاملاً في المسموع وفي المشهدية على حدٍّ سواء  متحدين و منفردين .

            ليس من السهل أن تصل الأعمال المسرحية إلى هذه المراتب و القدرات ، و قد وصلت إليها هذه المسرحية بفعل الجمع بين جوانب احترافية أصيلة للفن المسرحي بشكلها المتكامل و المترابط في الشكل والمضمون من ناحية ، و في تزامن أنواع الأداء السردي التمثيلي ، و بالتالي المسرحي من ناحية ثانية . وهذا ما يميز الأداء المرتكز على العلم و التمرس و الإحتراف الأدائي بالصوت و بالحركة .

            لا ضير في اعتبار هذا العمل جديداً و تجريبياً ، بالرغم من اعتماده على مدارس عالمية معروفة للفن المسرحي ، فإن الجديد فيها تجربة المخرج بحد ذاته ليحاول إحداث خبرات جديدة في تحقيق الرؤية الإخراجية الذاتية بالرغم من تقاربها أو من مرجعيتها إلى هذه أو تلك من المدارس المسرحية العالمية . و قد وصل إلى ما هو جدير بالتطبيق المحترف في هذا العمل الجدي المتوازن .

            بالإضافة إلى كون الممثل حسام الصباح قديراً ، متعلماً و جريئاً ، ظهرت نتائج العمل الدؤوب الذي قام به هذا في هذا العمل ، فقام بنقل الرؤية الإخراجية المميزة لطلال درجاني و النص العميق والدقيق لدستويفسكي بالشكل الأرقى و الأكثر تعبيراً في عصرنا المسرحي الحالي . و بهذا أحرز بعمله هذا نقلة نوعية في المسرح الكلاسيكي العالمي على أرض لبنان ، ألمسرح الذي راح يجتنبه كثيرون من الممثلين والمخرجين بسبب الدقة و التشدد ليلجأوا إلى المسرح الحر المركب ، أو إلى غيره من الأنواع الحديثة الأكثر حريةً و سهولة . فهو الممثل و الحكواتي الكلاسيكي و الشخصية الرئيسية المعبرة لهذا العمل ، إلى جانب ظهوره كإنسان واقعي الوجود و خيالي التفكير في آن بالإضافة إلى الحس الفلسفي المتألق .

 فن المسموع و الموسيقى

            ألمسموع في هذا العمل المسرحي " حلم رجل مضحك " حالة متكاملة امتزجت بكل مقومات وعناصر العمل الأساسية . بدت كل تشكيلات الفن المسموع مجدولة على محور الرؤية الإخراجية منتجة شكلاً مؤثراً أعطى المسرحية رونقاً خاصاً ، بالإضافة لتداخله المتمازج مع كافة عناصر العرض . و قبل الدخول في تفاصيل فن المسموع نعدد عناصره الأساسية كما يلي :

1 – ألصوت التمثيلي

2 – ألمؤثرات الصوتية و الضوئيات

3 – ألموسيقى

ألصوت التمثيلي

             ألصوت التمثيلي لهذا العمل نتاج متكامل للتمارين التي جرت إلى جانب الإحتراف الصوتي التعبيري للممثلين ، و بشكل خاص لحسام الصباح ، الذي أعطى بصوته الطبيعي ما تعجز عنه التكنولوجيا، لأنه أخرجه موصلاً إياه إلى التكامل ، حيث لا دور للتكنولوجيا و المكبرات إلا بتضخيم الصوت و هذا لا داعي و لا موجب له في المسرح الكلاسيكي .

            حصل التوازن المثالي بين الحنجريات و اللسانيات إلى حد ظهور الصوت بمظهر الآلة المركبة و المتقنة الصنع ، ألا و هو من صنع الله بإدارة حسام الصباح و كميل يوسف اللذان يتقنان فن الإصدار الصوتي ، سواء بكلام أم بغير كلام . كان الصوت هو الوسيلة الأولى للتعبير التي قادت أسماع  المشاهدين تاركةً القليل من التعبير للمشهديات ، لولا الحضور النوعي لهذه الأخيرة . صوت حسام الصباح متكامل التعبير و لا تشوبه شائبة بطبيعة العلم والخبرة لديه ، بالإضافة إلى ما أضفاه عليه من خصوصيات التعبير في التمرينات الجبارة المجراة لهذ العمل بالذات .

            سلطنت جهورية الصوت أحياناً و استقرت شمولية التعبير سائدةً على مدى العرض ، فكان الوضوح كاملاً و ممتعاً و كانت الدرجات الصوتية المنتقاة تركن قي قلب التعبير الصوتي ، و هي التي اختيرت بذكاء كبير و بخبرة ناضجة لكي تستبدل ملل الإستماع بالشوق إليه ، و هذا ما جعل العرض ينتهي بارتياحٍ للأذن لدى المستمعين و بانشغالهم بالفكر و القصة و تفاعلهم معها . و بهذا يكون صوت حسام الصباح قد سجل موقفاً نوعياً على مدى ما يقارب الساعة ، حيث قد يعجز عنه كثير من الممثلين و المذيعين والمتكلمين ، الذين يصمدون بمعظمهم من عشر إلى خمس عشرة دقيقة بنوعية جذابة ، و بعدها يعوزهم التوقف أوالتمرس ، كما تمرس و جهز ذاته حسام الصباح .

            أتقن حسام الصباح و الممثلون فن الصوت التمثيلي الذي لا مفر من العبور عليه من القصة إلى الجمهور ، مروراً بالقصة و الرؤية الإخراجية و ما تستلزمه من عناصر التنفيذ الإحترافي لهكذا أعمال من المسرح الكلاسيكي المعاصر . توازنت اللسانيات مع الحنجريات و الحلقيات و الخيشوميات حتى بدت فناً متكاملاً بحد ذاتها يصلح فناً تعبيرباً كاملاً لأداء المسموع ، مما يسمح بسماع المسرحية و التمتع بها عبر الإذاعات و لو غابت عنها المشهديات المتكاملة أيضاً ، حيث لم تقف عند التعبير الإحساسي و اللغوي الكامل بل تعدته إلى الوضوح المطلق الذي لا وصول إلى المشاهد إلا عبره .

ألمؤثرات الصوتية و الضوئيات

            جنباً إلى جنب جاءت المؤثرات الصوتية ، مع الصوت التمثيلي و الموسيقى ، إلى الخشبة لتزيد فن المسموع جاذبيةً و تعبيراً صادقاً . بالرغم من ندرة هذه المؤثرات في العرض كانت تطل في اللحظة المرسومة لها بدقة متناهية لتؤكد التفعيل المرسوم لها في الرؤية الإخراجية و المخطط الهندسي الذي احتواها و دخل جدول التمرينات العامة قبل العرض .

             لقد انصبت مقومات التفعيل التعبيري في سياق المسرحية دون أي إخلال في الزمن أو في إصابة الهدف الذي وضعت من أجله ، فلا فرق بين الصوت التمثيلي و المؤثرات الصوتية و الموسيقى في أداء المهمة التي تصب بنظامية ممتازة في رسم النوعية التنفيذية العالية ، و التي أصبحت بالتالي ، حقلاً صوتياً تجري فيه الأحداث و يربط الخشبة بالمشاهدين ، و كأن الكل أصبح قماشة واحدة نسجت من خيطان نخبوية من هذه العوامل المسموعة و أداة التلقي ، أي أذان الجمهور . حيث قام مهندس الصوت نزيه نصولي بمتابعة أدائية حية مميزة لتحقيق هذا الفعل المؤثر للصوتيات بالتوازي مع العرض .

            على غرار الصوت و مؤثراته أتت الإضاءة المدروسة لتضع تصورات الكاتب و المخرج في مكانها الصحيح لدى المشاهد ، و هي لا تقل أهمية عن الصوتيات بفارق أنها من المشهديات . و فن الضوء في هذه المسرحية هو جزء لا يتجزأ عن باقي عناصر التنفيذ المثالي لهذا العمل المسرحي العصري الكامل الذي أصبح ، بمرئياته و مشهدياته ، مرادفاً لفنون المسموع المتقنة التفعيل التي تواكب العصر و تربطه بأزمنة كتابة القصة الغابرة ، على أسس الإنسان و وجوده في هذه الدنيا .

            مما لا شك فيه أن طاقم التنفيذ للصوت و للإضاءة عمل في ثلاثة أزمان مختلفة ، في التصميم المسبق ، في التمارين الدؤوبة التي أجريت للعمل ، و أثناء العرض ، ما جعل جورج أبوزيد كمهندس للإضاءة ، و هو ممثل يمارس الإخراج ، يؤدي أداءاً حياً إلى جانب الممثلين حسام الصباح ، كميل يوسف و ساندرا ملحم .

ألموسيقى

            ليس للموسيقى إلا فعلها العظيم في كل عرض مسرحي  بشكل عام ، و بشكل خاص في تنفيذ هذه المسرحية . فقد استجابت الموسيقى ، في العمل هذا ، لمتطلبات الإعداد المسبق المدروس و الذي ، على ما يبدو ، خضع لإنتقائية كبيرة ، كما أثناء التأليف الموسيقي كذلك أثناء التمرينات الإعدادية الإحترافية لهذا عمل . فجاءت النتيجة لتؤكد أهمية الموسيقى بين فنون المسموع ، بالرغم من بعدها عن الوضوح الكلامي اللغوي ، إذ أنها بدت سرداً كاملاً  ، بحد ذاتها ، للأحداث الدرامية . و لو لم ترتكز المسرحية على السرد اللغوي و التمثيل الصوتي لكان من الممكن للمشاهد أن يفهم القصة في محورها الروحي ، الفكري والإجتماعي المؤثر بالإكتفاء بالإستماع إلى الموسيقى المؤلفة خصيصاً لهذا العمل.

            سكب المؤلف الموسيقي الدكتور هتاف خوري من عمق الموسيقى ما تناسب مع عمق القصة والأحداث التي جرت على الخشبة . فبقدر ما كانت المسرحية كلاسيكية بقدر ما جارتها الموسيقى بالتناسب المتاكمل بفارق رونق خاص مضاف على المسرحية لسبب اختلاف التزامن بين دستويفسكي و هتاف خوري ، حيث ارتكز الأخير على قواعد التأليف النغمي المعاصر ، إنما بمباديء كلاسيكية .

            ككل أنواع الموسيقى العصرية الراقية و المتخصصة ، جاءت موسيقى  هتاف خوري حرة التعبير الصادق متنقلةً بين مدارس التأليف النغمي و مذاهبه حتى شملت قواعد التنغيم الأصيل مسبوكاً مع قواعد اللاقاعدية مثل مذهبي : ألقاعدة الإثني عشرية " الدوديكافونيا " Dodecaphony و التعددية النغمية " بوليتونال " Polytonal . وهذه ميزة كبيرة لا ينطبع بها إلا المؤلفون الموسيقيون المعاصرون المتعلمون الذين اختبروا تنفيذ الكتابة الموسيقية في أرقى المدارس الموسيقية في العالم .

            و بالطبع ، كانت لهذه الموسيقى تغيراتها الدينامية المنتاسبة مع تغيرات الأحاسيس البشرية  التي خضع لها العمل برمته ، من دستويفسكي إلى طلال درجاني حتى هتاف خوري . و حيث أن الصوت الموسيقي يخضع لحركتين أساسيتين : ألمد و القطع " ليغاتو Legato ، و ستاكاتو Staccato " كانت الموسيقى تعمل بتركيز كامل على استيفاء شروط هذين العاملين الأساسيين في الموسيقى بالإضافة إلى الصوت المتصاعد القوة "كريشيندو " Crescendo و المتهابط القوة " ديكريشندو " Decrescendo و نقيضات القوى الصوتية مثل القوي " فورتي " Forte و ضعيف "بيانو" Piano ، فكانت الجمل الموسيقية تمتد و تتقطع على هوى التعبير الإحساسي للممثلين و لروحية العمل بشكله التام .

            أما الصياغة الموسيقية فقد راعت أصول التأليف النصي و الجملي الحر و الصادق في التعبير دون الخروج عن المعنى العام للقصة و أحداثها ، مما يدل على دراسة العمل قبل التأليف له . و لهذا التأليف خصوصياته من ناحيتين : خصوصية التأليف الكلاسيكي المعاصر و خصوصية التأليف الشخصي لهتاف خوري ، و في كلتي الحالتين لا بأس فقد أتى المؤلف الموسيقي  بجمالية تدعم العمل المسرحي هذا و تقف معه في أحداث تنفيذه على مر الزمن .

قول ختامي

            مسرحية " حلم رجل مضحك " للكاتب الروسي دستويفسكي و من إخراج الدكتور طلال درجاني هي نموذج مسرحي حديث ، فيه من الجديد ما يدل على جدية المخرج في الرؤية و التنفيذ ، و فيه ما يؤكد أهمية العلم و التخصص في التعاطي مع فنون العرض و الأداء و ما تجدر دراسته و الإستفادة منه في تنفيذ الأعمال المسرحية المعاصرة .

 ========================================================================

 

ألبروفسور الدكتور سليم سعد

أستاذ في ملاك الجامعة اللبنانية

Dr.Prof. Salim Saad

0961 3 332304 – 0961 5 465200

drsaad@ul.edu.lb

www.salimsaad.com